سورة الفرقان - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله تعالى: {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً} نزلت في أبي جهل كان إذا مر مع أصحابه قال مستهزئاً {أهذا الذي بعث الله رسولاً إن كان ليضلنا} يعني قد قارب أن يضلنا {عن} عبادة {آلهتنا لولا أن صبرنا عليها} يعني على عبادتها والمعنى لو لم نصبر عليها لصرفنا عنها {وسوف يعلمون حين يرون العذاب} أي في الآخرة عياناً {من أضل سبيلاً} أي أخطأ طريقاً {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد حجراً، فإذا رأى حجراً أحسن منه رماه وأخذ الأحسن منه وعبد ه وقال ابن عباس: أرأيت من ترك عبادة الله خالقها ثم هوى حجراً فعبد ه ما حاله عندي وقيل الهوى إله يعبد {أفأنت تكون عليه وكيلاً} أي حافظاً تحفظه من اتباع الهوى وعبادة ما يهواه من دون الله والمعنى لست كذلك وقال الكلبي نسختها آية القتال {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون} أي ما تقول سماع طالب الإفهام {أو يعقلون} يعني ما يعاينون من الحجج والأعلام وهذه المذمة أعظم من التي تقدمت، لأنهم لشدة عنادهم لا يسمعون القول وإذا سمعوه لا يتفكرون فيه، فكأنهم لا سمع لهم ولا عقل البتة فعند ذلك شبههم بالأنعام فقال تعالى: {إن هم} أي ما هم إلا كالأنعام أي في عدم انتفاعهم بالكلام وعدم إقدامهم على التدبر والتفكير ثم قال تعالى: {بل هم أضل سبيلاً} لأن البهائم تهتدي لمراعيها ومشاربها وتنقاد لأربابها الذي يتعاهدونها، وهؤلاء الكفار لا يعرفون طريق الحق ولا يطيعون ربهم الذي خلقهم ورزقهم لأن الأنعام تسجد وتسبح والكفار لا يفعلون ذلك.
قوله تعال {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس جعله ممدوداً، لأنه ظل لا شمس معه {ولو شاء لجعله ساكناً} يعني دائماً ثابتاً لا يزول ولا تذهبه الشمس {ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً} معنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس لما عرف الظل، ولولا النور لما عرفت الظلمة، والأشياء تعرف بضدها {ثم قبضناه} يعني الظل {إلينا قبضاً يسيراً} يعني بالشمس التي تأتي عليه والمعنى أن الظل يعم جميع الأرض قبل طلوع الشمس فإذا طلعت الشمس قبض الله الظل جزأ فجرأ قبضاً خفيفاً {وهو الذي جعل لكم الليل لباساً} يعني ستراً تسترون به والمعنى أن الظلمة الليل تغشى كل شيء كاللباس، الذي يشتمل على لابسه {والنوم سباتاً} يعني راحة لأبدانكم وقطعاً لأعمالكم {وجعل النهار نشوراً} يعني يقظة وزماناً تنتشرون فيه لابتغاء رزقكم وطلب الاشتغال {وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته} يعني المطر {وأنزلنا من السماء ماء طهوراً} الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره فهو اسم لما يتطهر به بدليل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. وأراد به المطهر والماء المطر لأنه يطهر الإنسان من الحدث والنجاسة فثبت أن التطهير مختص بالماء وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور وهو الطاهر حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة مثل الخل والريق ونحوها، ولو جاز إزالة النجاسة بها لجاز إزالة الحدث بها وذهب بعضهم إلى أن الطهور ما تكرر منه التطهير، وهو قول مالك حتى جوز الوضوء بالماء إذا توضئ به مرة، وإن وقع في الماء شيء غير طعمه أو لونه أو ريحه هل تزول طهوريته نظر إن كان الواقع شيئاً لا يمكن صون الماء عنها كالطين والتراب وأوراق الأشجار فتجوز الطهارة به كما لو تغير بطول المكث في قراره، وكذلك لو وقع فيه ما لا يختلط كالدهن يصب فيه فيتروح الماء برائحته تجوز الطهارة به لأن تغيره للمجاورة لا للمخالطة وإن كان شيئاً يمكن صون الماء عنه، ومخالطته كالخل والزعفران ونحوهما تزل طهوريته فلا يجوز الوضوء به وإن لم يتغير أحد أوصافه نظر إن كان الواقع شيئاً طاهراً لا يزيل طهوريته يجوز الوضوء به سواء كان الماء قليلاً أو كثيراً، وإن كان الواقع شيئاً نجساً نظر فيه فإن كان الماء، أقل من قلتين نجس الماء وإن كان قدر قلتين فأكهر فهو طاهر يجوز الوضوء به والقلتان خمسمائة رطل بالبغدادي يدل عليه ما روي عن ابن عمر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل عن الماء يكون في الفلاة، ترده السباع والذئاب فقال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» أخرجه أبو داود والترمذي. وهذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة من أهل الحديث، أن الماء إذا بلغ هذا الحد لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير أحد أوصافه، وذهب جماعة إلى أن الماء القليل لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه، وهذا قول الحسن وعطاء والنخعي والزهري واحتجوا بما روي عن أبي سعيد الخدري قال: «قيل يا رسول الله إنه يستقى لك من بئر بضاعة ويلقى فيها لحوم الكلام وخرق الحيض وعذر النساء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن الماء طهور لا ينجسه شيء» وفي رواية قال: «قلت يا رسول الله أيتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر تطرح فيها خرق الحيض ولحوم الكلام والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء».


وقوله تعالى: {لنحيي به} أي بالمطر {بلدة ميتاً} قيل: أراد به موضع البلدة {ونسقيه مما خلقنا} أي نسقي من ذلك الماء {أنعاماً وأناسيّ كثيراً} أي بشراً كثيراً والأناسي جمع إنسي وقي لجمع إنسان قوله عز وجل: {ولقد صرفناه بينهم} يعني المطر مرة ببلدة ومرة ببلدة أخرى وقال ابن عباس ما عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه في الأرض وقرأ هذه الآية! وهذا كما روي مرفوعاً «ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء» وروي عن ابن مسعود يرفعه، قال: ليس من سنة بأمطر من سنة أخرى ولكن الله عزّ وجلّ قسم هذه الأرزاق فجعلها في هذه السماء الدنيا في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم، ووزن معلوم وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم وإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك المطر إلى الفيافي والبحار، وقيل: المراد من تصريف المطر تصريفه وابلاً وطشاً ورذاذاً ونحوها وقيل التصريف راجع إلى الريح {ليذكروا} أي ليتذكروا ويتفكروا في قدرة الله تعالى {فأبى أكثر الناس إلى كفوراً} أي جحوداً في كفرهم هو أنهم إذا مطروا قالوا أمطرنا بنوء كذا.
(ق) عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال أصبح عن عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بن مؤمن بالكواكب».
قوله تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً} أي رسولاً ينذرهم ولكن بعثناك إلى القرى كلها وحملناك ثقل النذارة لتستوجب بصبرك ما أعددنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة {فلا تطع الكافرين} فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم {وجاهدهم به} أي بالقرآن {جهاداً كبيراً} أي شديداً. قوله تعالى: {وهو الذي مرج البحرين} أي خلطهما وأفاض أحدهما على الآخر وقيل أرسلهما في مجاريهما {هذا عذب فرات} أي شديد العذوبة يميل إلى الحلاوة {وهذا ملح أجاج} أي شديد الملوحة وقيل مر {وجعل بينهما برزخاً} أي حاجزاً بقدرته فلا يختلط العذب بالملح ولا الملح بالعذب {وحجراً محجوراً} أي ستراً ممنوعاً فلا يبغي أحدهما على الآخر ولا يفسد الملح العذب. قوله تعالى: {وهو الذي خلق من الماء} أي من النطقة {بشراً فجعله نسباً وصهراً} أي جعله ذا نسب وصهر وقيل النسب ما لا يحل نكاحه والصهر ما يحل نكاحه والنسب ما يوجب الحرمة والصهر ما لا يوجبها وقيل النسب من القرابة والصهر الخلطة التي تشبه القرابة وهو النسب المحرم للنكاح وقد حرم الله بالنسب سبعاً وبالسبب سبعاً ويجمعها قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} الآية وقد تقدم تفسير ذلك وبيانه في تفسير النساء {وكان ربك قديراً} على ما أراد حيث خلق من النطفة الواحدة نوعين من البشر الذكر والأنثى {ويعبد ون من دون الله} يعني هؤلاء المشركين {ما لا ينفعهم} أي إن عبد وه {ولا يضرهم} أي إن تركوه {وكان الكافر على ربه ظهيراً} أي معيناً أعان الشيطان على ربه بالمعاصي لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان وقيل معنى ظهيراً هيناً ذليلاً من قولك ظهرت بفلان إذا جعلته وراء ظهرك ولم تلتفت إليه وقيل أراد بالكافر أبا جهل والأصح أنه عام في كل كافر. وقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا مبشراً} أي بالثواب على الإيمان والطاعة {ونذيراً} منذراً بالعقاب على الكفر والمعصية {قل} يا محمد {ما أسألكم عليه} أي على تبليغ الوحي {من أجر} فتقولون إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعوننا إليه فلا نتبعه {إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً} معناه لكن من شاء أن يتخذ بإنفاق ماله سبيلاً إلى ربه فعلى هذا يكون المعنى لا أسألكم لنفسي أجراً، ولكن أمنع من إنفاق المال إلا في طلب مرضاة الله، واتخاذ السبيل إلى جنته.


قوله عز وجل: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} معناه أنه سبحانه وتعالى لما أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأن لا يطلب منهم أجراً البتة أمره أن يتوكل عليه في جميع أموره، وإنما قال على الحي الذي لا يموت لأن من توكل على حي يموت انقطع توكله عليه بموته، وأما الله سبحانه وتعالى فإنه حي لا يموت فلا ينقطع توكل من توكل عليه، ولا يضيع البتة {وسبح بحمده} أي صل له شكراً على نعمه وقيل: معناه قل سبحان الله والحمد لله {وكفى به بذنوب عباده خبيراً} يعني أنه تعالى علام بجميع ذنوب عباده فيجازيهم بها. وقيل: معناه أنه لا يحتاج معه إلى غيره لأنه خبير عالم قادر على مكافأتهم وفيه وعيد شديد كأنه إذا قدمتم على مخالفة أمره كفاكم علمه في مجازاتكم بما تستحقون من العقوبة. قوله تعالى الذي {خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً} أي فاسأل الخبير بذلك، يعني بما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش. وقيل: أيها الإنسان لا ترجع في طلب العلم، بهذا إلى غيري وقيل معناه فاسأل عنه خبيراً وهو الله تعالى وقيل: هو جبريل عليه السلام {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن} أي ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة يعنون مسليمة الكذاب كانوا يسمونه رحمان اليمامة {أنسجد لما تأمرنا} أنت يا محمد {وزادهم} يعني قول القائل اسجدوا للرحمن {نفوراً} يعني عن الإيمان والسجود.

فصل:
وهذه السجدة من عزائم السجدات فيسن للقارئ، والمستمع أن يسجدا عند سماعها وقراءتها. قوله تعالى: {تبارك الذي جعل في السماء بروجاً} قيل: البروج هي النجوم الكبار سميت بروجاً لظهورها، وقيل: البروج قصور فيها الحرس. وقال ابن عباس: هي البروج الاثنا عشر التي هي منازل الكواكب السبعة السيارة، وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت سميت بالبروج، التي هي القصور العالية لأنها للكواكب كالمنازل لسكانها {وجعل فيها سراجاً} يعني الشمس {وقمراً منيراً وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} قال ابن عباس معناه خلفاً، وعوضاً يقوم أحدهما مقام صاحبه فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر. قال شقيق: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب. قال فاتتني الصلاة الليلة قال أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإنّ الله جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر. وقيل جعل كل واحد منهما مخالفاً لصاحبه فجعل هذا أسود وهذا أبيض وقيل يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب هذا جاء هذا فهماً يتعقبان في الضياء، والظلمة والزيادة والنقصان {لمن أراد أن يذكر} أي يتذكر ويتعظ {أو أراد شكوراً} يعني شكر نعمة ربه عليه فيهما.
قوله عز وجل: {وعباد الرحمن} قيل هذه الإضافة للتخصيص، والتفضيل وإلا فالخلق كلهم عباد الله {الذين يمشون على الأرض هوناً} يعني بالسكينة والوقار متواضعين غير أشرين، ولا مرحين ولا متكبرين بل علماء حكماء، أصحاب وقار وعفة {وإذا خاطبهم الجاهلون} يعني السفهاء بما يكرهونه {قالوا سلاماً} يعني سداداً من القول يسلمون فيه لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا ولم يجهلوا وليس المراد منه السلام المعروف وقيل هذا قبل أن يؤمروا بالقتال ثم نسختها آية القتال ويروى عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: هذا وصف نهارهم ثم إذا قرأ: {والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً} قال هذا وصف ليلهم، والمعنى يبيتون لربهم في الليل بالصلاة سجداً على وجوههم وقياماً على أقدامهم. قال ابن عباس، من صلّى بعد العشاء الأخيرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجداً وقائماً.
(م) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة».

1 | 2 | 3 | 4